خاص – nextlb
أحيا “النادي الثقافي العربي”، وللسنة الثانية، الذكرى ال19 لإستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وعقد ندوة بدعوة من رئيسته سلوى السنيورة بعاصيري، بعنوان “رفيق الحريري رؤية استنهاضية مستمرة”، في فندق الريفيرا ، حاضر فيها كل من الوزيرين السابقين شارل رزق ورشيد درباس والباحثين الأكاديميين حارث سليمان ورياض شديد.
حضر الندوة وزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور ناصر ياسين ممثلا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الرئيس فؤاد السنيورة، النائب السابق الدكتور محمد الحجار ممثلا الرئيس سعد الحريري ، الوزير السابق محمد المشنوق ممثلا الرئيس تمام سلام، النائب الدكتور بلال الحشيمي، اضافة الى فاعليات من 14 آذار تقدمهم الوزير السابق الدكتور حسن منيمنة، الوزير السابق الدكتور كرم كرم، النائب السابق الدكتور فارس سعيد، النائب السابق الدكتور عمار حوري، الدكتور داوود الصايغ، وفاعليات سياسية وثقافية وإعلامية ومديرو المدارس التابعة لمؤسسة رفيق الحريري وأعضاء الهيئة التعليمية في جامعة رفيق الحريري.
بعاصيري
بعد النشيد الوطني والوقوف دقيقة صمت لروح الرئيس الشهيد تم عرض وثائقي لمحطات مهمة من مسيرته، ثم تحدثت بعاصيري وقالت:”من أجل لبنان الذي استودعنا إياه الرئيس رفيق الحريري، منذ عقدين من الزمن، وإحياء للذكرى التاسعة عشرة لاستشھاده، يستعيد النادي الثقافي العربي في لقاء اليوم رؤية رفيق الحريري النھضوية لنستشف أبعادھا ومقومات استدامتھا في آفاقھا المفتوحة على المتحول والجديد”.
أضافت:”ھي رؤية تمحورت منطلقاتھا حول الانسان الفرد باعتبار انه يشكل رأس المال الأساس لعبور لبنان نحو الكفاءة وتكافؤ الفرص، ونحو التطوير والتقدم، ونحو دولة القانون والمؤسسات. لذا ارتكزت رؤيتھا على فكرة تمكين المجتمع، بمختلف مكوناتھا، ليكون مؤھلا بالعلم والفكر والمعرفة، مؤمنا بالقيم الكونية وحقوق الانسان، مدركا لأھمية التنوع والانفتاح والمعاصرة، متسلحا بالولاء للوطن الحاضن لكل ابنائه، ومتمسكا بلبنان في اصالته وعلاقاته البناءة بمحيطه العربي والدولي”.
تابعت:”ھي رؤية قامت على وجوب التكامل بين الشأنين العام والخاص ليصب تكاملھما في نھضة الوطن وازدھاره واستقراره على قواعد توسعة الاستثمار المنتج وتنويعه، وضمان الأمن الاجتماعي والمعيشي، وانتظام عمل المؤسسات الدستورية بموجب الأنظمة والقوانين وفصل السلطات، وذلك امتثالا لأحكام الدستور واحتراما لمبادئ العيش الواحد، حفاظاً على لبنان الرسالة وصونا لسيادته واستقلاله”.
وختمت:”ولكي يفي ھذا اللقاء بواجب مقاربة رؤية الرئيس الشھيد رفيق الحريري من مختلف جوانبھا، واستطلاع اطلالتھا البعيدة المدى”.
رزق
أما رزق فالقى كلمة بعنوان” الرئيس الحريري تختزله كلمة النهضة” وقال:”لم تتح لي الظروف معرفة الرئيس الشهيد لوجودي خارج لبنان لسنوات لذا كان استشهاده بالنسبة لي أكثر من فجيعة شخصية أدمت قلبي كما أدمت قلوب الذين أخبوه وعرفوه “.
أضاف: “أشرف الرئيس رفيق الحريري على نهوض قطاع الاتصالات ولا سيما قطاع الخلوي واستعاد البنى التحتية التي تمت وفق رؤية علمية عصرية حيث سارع الى انقاذ كبريات الجامعات ومنها الجامعة الأميركية وجامعة القديس يوسف فأنقذها من خلال تأمين أقساط الطلاب وتدريسهم فيها وأوفد عشرات الالاف الى خارج لبنان والفوا خميرة للنهضة اللبنانية وإتكل على عدد كبير منهم ليساعدوا على ترشيد الإدارات العامة وتحديثها”.
وتابع:”أما في المجال السياسي فقد استطاع بقوة شخصيته ومتانة تحالفاته في العالم العربي ولا سيما في المملكة العربية السعودية والخليج وعمق الثقة التي بعثها في قلوب الناس ،استطاع جمع رأي عام جارف تجاوز بكثير حدود طائفة واحدة وبذلك أحيا ارثا وطنيا عريقا تألق به لبنان على الصعيدين العربي والدولي وهو الميثاق الوطني الذي وضع الشيخ بشارة الخوري والرئيس رياض الصلح حجره والأساس وشيدا عليه الإستقلال في إطار الإنفتاح الحضاري والثقافي والسياسي والعربي الواسع واكمل الرئيس فؤاد شهاب”.
وقال:”هذا البناء بتدعيم نظامنا البرلماني وتأمين تداول السلطة بين كتلتين سياسيتين عابرتين للطوائف حازت الأولى الأكثرية في انتخايات متتالية وانبثقت منها حكومات ثابتة ومنتجة عارضتها كتلة للطوائف ايضا فازت في الإنتخايات سنة 1968 ومارست الحكم بدورها. أتم الرئيس الحريري ما بدأه أسلافه الكبار، وجدد ثقة اللبنانيين في أنفسهم واعتزازهم بتجربتهم الديموقراطية البرلمانية التي وضعتهم في طليعة العالم العربي الذي آمن به رفيق الحريري ايمانه بلبنان “.
وختم: “ما كان انفجار 14 شباط ، الا لمحو هذا الإرث الوطني الكبير ولإعادة لبنان الى ما كان عليه قبل الحريري، فأجمعت الدول على اعتبار لبنان دولة ساقطة أوكلت الى السفراء الأجانب مهمة تسمية رئيسها فذكرتنا بعهد المتصرف العثماني الذي كان يتم تعيينه بعد موافقة السفراء الأوروبيين في اسطنبول في القرن التاسع عشر، ولا غرو بعد ذلك ان يرزح نصف اللبنانيين تحت عتبة الفقر غرباء في وطنهم خاضعين لسلطة اعجمية لا يفقهون لسانها وثقافتها هدفها اقتلاعهم من بيئتهم العربية التي لا ازدهار لهم ولا سلام الا نطاقها” .
سليمان
ثم كانت كلمة لسليمان بعنوان “تجربة رفيق الحريري بين الرؤية والتطبيق”، وقال:”يوم كلفني منظمو هذا اللقاء بالمشاركة في مداخلاته، خشيت ان أقع في ورطتين؛ الأولى هي التحدث بعد مداخلة النقيب رشيد درباس، وهي ورطة تربك كل من يعقبه كلاما او خطابة، لأنه ياخذ ألباب سامعيه الى مرتفع غني بجزالة المعاني وطلاوة المباني، وتاتي المقارنة لمن يليه ظالمة، لكن الرشيد أعفاني من الورطة الأولى، فقبل أن اتداخل قبله، فزاد الى فصاحة لغته، وسلاسة بلاغته، سعة صدره وسمو مزاياه، وجمال طويته.
أضاف ” الورطة الثانية هي محاولة تقييم تجربة، لشهيد مازال حيا في قلوب محبيه، فالرئيس رفيق الحريري، وإن أودع في مثواه ودفن جسده، فإن نعشه مازال محمولا على الأكتاف ولم تنتهي رمزيا مراسم تشييعه، ولا أقفلت مواسم عزائه، هي عادة لبنانية، وقد تكون عربية واسلامية ومشرقية، فالشهداء لا تدفن منهم الا أجسادهم، اما معانيهم وقضاياهم وحتى عداواتهم، فتبقى ماثلة كحقائق ثابتة يصعب تجاوزها، ولذلك كان التنزيل الحكيم “ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون”. صدق الله الع……يم
ونستطيع أن نتذكر عشرات الشهداء في لبنان ينتمون الى بيئات مختلفة، ما زالوا أحياء في مخيال جماعاتهم، ويشكلون عصب لحمة الجماعة ونبض وحدتها وتضامنها، ويشكل استعادتهم الى الحاضر الراهن كماض لم يمض، سلاحا يستعمله كل سياسي انتمى إليهم وكل وريث زعم اكمال مسيرتهم، واذا ما اضفنا الى هذا الاعتبار الحديث الشريف بأن (اذكروا محاسن موتاكم) يتحول تقييم التجربة والذي يفترض الموضوعية والتجرد، الى تأبين يستذكر محاسن الشهيد وفضائله ونجاحاته، و يتلافى جانبا اي نقد او إضاءة على عثراته واخفاقاته”.
تابع:”على الرغم من كل ذلك، لا بد من محاولة تقييم تجربة الرئيس الحريري بإيجابياتها ونجاحاتها، بسلبياتها وإخفاقاتها، وذلك لأن هذه التجربة كانت مشروعا متكاملا تصدى لثلاثة أمور هامة ومصيرية ؛ وهي إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية اولا، واعادة بناء مؤسسات دولته الدستورية و مرافق الخدمات العامة والبنية التحتية فيها ثانيا، واعادة صياغة وظيفة لبنان الاقتصادية والاقليمية ثالثا، والمسائل الثلاثة هذه هي ما نحتاج إليه اليوم لأنها المعبر الوحيد لبقاء لبنان ولرفاه شعبه واستقرار أجياله فيه، وعليه يتحول تقييم تجربة الحريري كصاحب مشروع متكامل الى حوار راهن يعالج ازمة راهنة ومستمرة”.
وقال:”عربيا قدم الحريري الى السياسة اللبنانية على أرضية تفاهم سعودي سوري، وكثمرة من ثمار إقرار اتفاق الطائف، وتزامن تسلمه السلطة بعيد إنعقاد مؤتمر مدريد لحل الصراع العربي الإسرائيلي، على قاعدة الأرض مقابل السلام. دوليا كان زمان وصوله الى السلطة عشية إنهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك دوله وتعثر التجارب الاشتراكية، وسيادة نمط اقتصادي ليبرالي على المستوى العالمي، يعتمد اقتصاد السوق ويفتح حدود كيانات الدول، لحرية التجارة الدولية و عبور الأفراد والرساميل والسلع والخدمات”.
اضاف:”لبنانيا كان الحريري محكوما بصنفين من أصناف الشريك المضارب، أمراء الحرب الذين خلعوا بذلات القتال ولبسوا تنكرا ياقات رجال الدولة، فيما بقيت بنيتهم وعقلياتهم ميليشياوية تمارس توظيف المحاسيب وجباية الخوة من داخل مؤسسات الدولة بديلا لجعالات استمرؤوا أخذها في الحرب الأهلية”.
وقال: “أما الشريك المضارب الآخر فهم رجالات النظام المملوكي الأسدي في سوريا، الذي لم يكتف باستيفاء خوة دائمة جارية ومتصاعدة، بل تولوا تقسيم وظائف السلطات العامة في لبنان وأدوار القوى السياسية، بين الحريري الذي يهتم ويتولى الاقتصاد والاعمار وعلاقات لبنان بدول الخليج والغرب، وبين منظومة ممانعة تتألف من جهتين الاولى هي نظام امني لبناني_سوري يخنق الحياة الفكرية والسياسية والاعلامية والحزبية، اما الثانية فهي جهوزية عسكرية شكل حزب الله عمادها تحت راية مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وادام عبر سنوات طوال، مساكنة مستهجنة وتجاورا بين طريقين واحد يستعجل الوصول الى دبي وآخر يرابط في متاريس هانوي”.
وتابع:”كان الحريري يريد لبنان وبيروت ان يكونا مركزا اقليميا يتولى خدمات مصرفية وجامعية وثقافية وصحية واعلامية وأعمال وساطة وتسوق وسياحة وتجارة، وكان الوصي السوري يعتبر ان استكمال هذا المشروع ونجاحه سيجعل من دمشق وسورية الاسد ضاحية تابعة وهامشية لبيروت التي تبنى كمدينة للمستقبل، ولذلك حرص على إسناد دور للبنان، كصندوق بريد للرسائل الملتهبة في مناوشاته مع إسرائيل ودول الغرب. أما على المستوى الداخلي فكان تجديد الدور التاريخي لبيروت وتركيز 70 % من النشاط الاقتصادي في نطاقها، في استعادة وتطوير للوضع الذي كانت عليه قبل الحرب، وبذلك تم تجاهل أحد العوامل الرئيسة الداخلية الذي انفجرت الحرب الاهلية بسببه، حيث جفت عروق الأطراف في الشمال والجنوب والبقاع، واختنقت بيروت بضاحيتين شمالية وجنوبية، من نازحي الأرياف الذين نزحوا بحثا عن عمل او علم او خدمة، والذين شكلوا ضحايا الحرب المنقضية ووقودها ومشعلي اوارها.”
وأعلن أن “الرئيس الحريري كان رجلا قويا بعلاقاته العربية وبصداقاته الدولية، وكان صاحب عزيمة وتصميم لتجاوز الصعاب وتخطي العراقيل، لذلك اعتبر أن الخوة التي تفرض على مشروعه تزيد كلفة المشروع دون أن تفشله، وكان مستعدا لدفع الزيادة في التكلفة من أجل السير قدما. وكانت هذه خطيئته الأصلية، وهو الانخراط والتعايش في نظام ليبرالية – الخوة أو السلطة – الغنيمة وجوهر الكارثة التي حلت بلبنان هو قيام نظام ليبرالي اقتصاديا موصول بنظام ميليشياوي، ويدار من نظام مملوكي حيث امراء الجند يديرون السلطة من خارج المؤسسات والقانون”.
وقال:”للدلالة على خطورة هذا الأمر، سنذكر 5 أمثلة في الصحة والمياه والكهرباء والاتصالات والنفط
مستشفيات عامة مستباحة وخاسرة
نفذ الحريري مشروع قيام مستشفيات حكومية، حيث تم تمويل بنائها وتجهيزها من الدولة وسلمها لمجالس إدارة لتسييرها أو إدارتها وفقا لمنطق المستشفى التجاري لتحقيق ربح ضئيل نسبة لما يحققه المستشفى الخاص، ويفترض بالمستشفى أن يتمتع باستقلال مالي وإداري، والنتيجة إن المستشفيات الحكومية كلها خاسرة، ونشهد إضرابات للعاملين فيها من أجل أن تدفع الدولة أجورهم! هل من مستشفى في لبنان يخسر غير المستشفى الحكومي؟ أما السبب فيعود إلى استباحته من قبل السياسيين سواء بالحشو الوظيفي و/أو الاستشفاء المجاني للمحاسيب وأساليب سلب ونهب أخرى.
في مصالح المياه التي جهزتها الدولة وطورت مصادر المياه والينابيع بقروض دولية وعربية، ومدت الشبكات، ووضعت العدادات و أوصلت المياه إلى البيوت. أوكلت الدولة أعمال الصيانة والجباية لمصالح المياه، وهي مؤسسات عامة مستقلة ايضا، فكانت الخسارة! فهل لشركة تبيع مياها ان تخسر الا في لبنان!؟.
اما في قطاع الخليوي الذي صمد رابحا حتى وصل إليه باسيل والصحناوي، وهذا القطاع أنشئ بصفقة مع مسؤولين سوريين كانوا الملاك الحقيقيين للقطاع متسترين بأسماء لبنانية، هي عبارة عن واجهات فقط، علما أن التمويل الأول للتأسيس تأمن من جيوب المشتركين الذين دفعوا آنذاك 500 دولار عن كل خط. عندما أتى الرئيس السابق للجمهورية الجنرال إميل لحود زعم استرداد القطاع إلى كنف الدولة، كان ذلك بدافع من الملاك الحقيقيين الراغبين باسترداد قيمة ملكيتهم للأسهم، أمم لحود القطاع وأجبر الدولة على دفع تعويضات.”
وتابع ” كان القطاع يوفر للخزينة سنويا مليارا ونصف مليار دولار إلى أن استلم القطاع الوزير جبران باسيل.. الذي غير مع نقولا الصحناوي كل فلسفة العقد مع المشغل، فأصبحت الشركة تتقاضى بدلا عن كل خط، وحولا كلفة الموظفين إلى عاتق الدولة بعد أن زادا أعدادهم في الشركتين من نحو 1000 موظف إلى أكثر من 2000.
تدنت جودة الاتصالات، بعد زيادة الشركتين لعدد الخطوط عشوائيا. ولم يعد هناك حاجة لشركة ثالثة، كان يمكن أن تباع بثمن مالي عال ونحن اليوم أمام قطاع خاسر بعدما بدأت الايرادات تتراجع بقوة منذ ما قبل هبوط سعر صرف الليرة.
أما في وزارة الطاقة فأصناف فرض الخاوة متعددة، الأولى هي مافيا الفيول الموجودة منذ 1992. الشركة القابضة على هذه التجارة الى اليوم هي شريكة مع جهات سورية نافذة، أما مجموع سلف الخزينة للكهرباء لشراء الفيول، منذ 1992 مع الفوائد المترتبة عليها فتصل إلى 53 مليار دولارا.
كما تصل الخسائر والأرباح المفوتة أو الضائعة في وزارة الطاقة إلى 100 مليار دولار، وهذا يشمل الهدر في الكهرباء ومشاريع السدود الفاشلة ومشاريع المياه المبتذلة وتجارة البنزين والفيول التي يدفع اللبنانيون كلفة نقله أضعاف الكلفة المقبولة عالميا.
وتستمر وزارة الطاقة بالحفاظ على قطاع الكهرباء الخاسر والفاشل ملكا للدولة لتتحمل خسائره، فيما جرى خصخصة قطاع النفط الرابح وتقاسم غلاله من الاحزاب الطائفية وزعمائها.
كان يمكن لهذا النمط من النظام أن يستمر: اقتصاد حقيقي ينتج فائضا ربحيا معقولا تقتطع منه خوات للمنظومة المافيوية، في ظل تدفقات مالية وفائض في ميزان المدفوعات، لكن يوم فقد لبنان وظيفته الاقتصادية، وبدأ يتفاقم العجز في ميزان المدفوعات ابتداءا من سنة 2011 إتجه لبنان نحو الانهيار”.
واضاف سليمان:” أنجز الحريري سلسلة هامة ومقدرة من مشاريع البنى التحتية؛ (الهاتف الارضي والانترنت، المطار، مكننة الجمارك، المجمع الجامعي في الحدث، المدارس والمباني الحكومية الخ) حتى انتخاب الرئيس لحود، وأعاد للبنان دورا وحضورا، على المستوى العربي والدولي، خلال عهد الرئيس الهراوي، وعادت بيروت قبلة للعرب بكافة جنسياتهم، وارتفع الناتج المحلي الاجمالي من 5.8 مليار $ سنة 1992 الى 21.16 مليار $ سنة 2004 ونجح في الوصول الى تفاهم نيسان الذي لجم العدوانية الاسرائيلية تجاه المدنيين في جنوب لبنان، لكنه أدرك أن محاولات تطويقه ومحاصرته قد استكملت عدتها مع وصول العماد لحود لرئاسة الجمهورية، وتسلم بشار الاسد ادارة الملف اللبناني في النظام السوري، واستنتج الحريري على الارجح ان استكمال النهوض في لبنان، و إنجاز تعافيه الاقتصادي يقتضي العمل على استعادة سيادة لبنان والسعي لانسحاب سوري متدرج من ربوعه”.
أضاف:”عاد رفيق الحريري بعد الانتخابات النيابية سنة 2000 قويا ليواجه، انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان، توفي حافظ الأسد، وصدر بيان المطارنة الموارنة الذي طالب بانسحاب الجيش السوري من لبنان، وحدثت مصالحة الجبل بين بكركي والمختارة، وتشكلت معارضة لبنانية عابرة للطوائف تطالب برفع الوصاية وانسحاب جيش سورية من لبنان.”
وختم :” “كان الحريري اهدأ اصوات هذه المعارضة، والينهم خطابا، واقلهم صخبا، لكنه كان اوزنهم فعلا واكثرهم تأثيرا، لذلك تم استهدافه والتخلص منه. بين الحريري صاحب المشروع الانمائي والاعماري، ورفيق الحريري السيادي اللبناني، كان هناك حريري ثالث هو الرجل الواثق من نفسه ومن صداقاته ومن حجمه، اذكر انه بعد التمديد للجنرال لحود في رئاسة الجمهورية ومحاولة اغتيال مروان حمادة، سألني الصحافي اسعد حيدر قائلا ؛ انا ذاهب الى رفيق الحريري غدا، ما هي توقعاتك لما سيحدث، وتريد ان تبلغه اياها، اجبته على الفور، اما سيناريو رشيد كرامي واما سيناريو رينيه معوض! ذهب اسعد عند الحريري وابلغه بما اتوقع، استفسر ليتأكد ان الأمر يعني اما اغتيال رئيس الجمهورية الممد له او اغتيال الحريري نفسه، اجابه بنعم، بعد اسبوعين كرر اسعد لي سؤاله ذاته من اجل ابلاغ الحريري به، أجبته لم يعد هناك الا احتمال واحد، سيناريو رشيد كرامي، ابلغ اسعد الحريري بما توقعته، انه سيجري اغتياله، اختلى باسعد حيدر جانبا وسأله هل تعتقد ان النظام السوري ذكي ام غبي، أجاب اسعد ذكي وذكي جدا، اجابه الحريري إذن لن يجرؤوا على ذلك، لانهم يعرفون ان ثمن ذلك سيكون غاليا جدا، رحمه الله لو كان أقل ثقة بذكاء الأسد وأكثر حذرا من اجرام منظومته وحلفائه.”
شديد
بدوره القى شديد كلمة بعنوان: “حول التحديات التي تواجه حضور الشباب في مسيرة نهضة لبنان”،وقال:” إنه لشرف كبير لي أن أقف اليوم متحدثا الى جانب كوكبة من المثقفين والسياسيين اللامعين في الذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري. لقد كان الشباب دوما في طليعة اهتمامات الرئيس الشهيد الذي علم عشرات الالاف منهم، ودعم جامعاتهم المحلية، وبنى لهم صروحا رياضية، وأعاد إعمار البنى التحتية التي مكنتهم من الانطلاق في مشوارهم المهني بنجاح. ناهيك عن أنه من خلال ممارسته، بين لهم أهمية العصامية، والقيادة ودور النخبة في الحياة”.
تابع:”في هذه المناسبة، سوف أتطرق الى ملاحظتين أحدد من خلالهما عددا من التحديات التي تواجه حضور الشباب في مسيرة بناء لبنان:
الملاحظة الأولى وتتمحور حول تعاطي جيل الشباب مع القضايا الوطنية والتحديات التي يفرضها العصر. أما الملاحظة الثانية فتتمحور حول التبدلات الجذرية في دور الدولة ومكانتها بعد اغتيال الرئيس الحريري، وانعكاس تلك التبدلات على فهم الشباب لدورهم في نهضتها.”
وأوضح :” بالنسبة للملاحظة الأولى، يتميز الجيل الجديد بخصائص وطباع ما عرف بالجيل الرقمي الذي على الرغم من الإيجابيات التي قدمتها له التكنولوجيا، إلا أن نتائج الثورة الرقمية قد خلخلت عنده الروابط الاجتماعية والعلاقات الإنسانية التي كانت سائدة في مجتمعاتنا الشرقية، وبدلت من فهمه لقضايا الهوية والانتماء. لقد لاحظت من خلال عملي في الجامعة الاميركية، كيف أن كثيرين من الشباب لا يعيرون اهتماما للوضع السيء الذي وصلت اليه بلادهم، ولا للمآسي التي تعرضت لها الشعوب في أماكن عديدة من هذا العالم. فكأني بهم، أمام ما تفرزه محركات البحث على شبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من معلومات واستنتاجات، قد تشتت انتباههم، و”تبرمج” اهتمامهم حول مواضيع غالبا ما تكون بعيدة عن تلك المتعلقة بالتحديات الاساسية والجوهرية في الحياة. لذلك يتطلب التعاطي مع جيل الشباب اتباع أسلوب مختلف عما الفناه. اسلوب متفهم لقيمهم وللثقافة التي درجوا عليها كما ولرؤيتهم لمستقبلهم وللعالم”.
تابع:”من ناحية أخرى، أشير الى أن جزءا من أبناء هذا الجيل قد تأثر بتيارات تروج لثقافة تقلل من أهمية التفاعل مع تحديات الحياة، اللهم إلا إذا كان لتلك التحديات مرتكزات دينية، وتشجع على الانغلاق والكراهية للحضارة الغربية، وتحصر مفهوم الوطنية بمقاومة العدو الاسرائيلي ومواجهة الغرب. حبذا لو أدركت تلك الفئة من الشباب أن الوطنية الحقة ترتكز، الى جانب مقاومة الاحتلال، على العلم والعمل، كما على المساهمة في بناء المؤسسات، من خلال الالتزام بالقانون والنزاهة والابتكار، وبالمبادرة الى تقديم الحلول للمشاكل المعاصرة التي تواجه البشرية.”
وقال:”أما بالنسبة الى الملاحظة الثانية، فقد أدى الانهيار التدريجي للدولة الى عدد من النتائج الكارثية. أولها العزلة العربية بعد التعرض لسياسات دول الخليج وحكامهم، وثانيها تغير وجه لبنان الثقافي والحضاري بسبب تصاعد الخطاب الديني الموجه، وثالثها فقدان الامل بالإصلاح نتيجة غياب النخبة عن العمل السياسي. لقد أدى الصراع السياسي بمنطلقاته الطائفية، معطوفا على الانهيار المالي-الاقتصادي، الذي عصف بلبنان منذ العام 2019، الى هجرة الشباب الذين انتشروا في بقاع الارض بحثا عن فرصة عمل، تؤمن لهم ولعائلاتهم حياة كريمة، ومن المتوقع ألا يعود هؤلاء الى وطنهم في القريب العاجل لأن لبنان الذي عرفوه في مرحلة الشهيد رفيق الحريري، لم يعد هو ذاته الساكن في ذاكرتهم، ولا يستطيع أن يوفر لهم ما هم بحاجة اليه، من مناخات تمكنهم من الاستقرار فيه.نعم أيتها السيدات أيها السادة، تميزت السنوات الممتدة من العام 2005 وحتى يومنا هذا بعدد وعمق الأزمات والمآسي التي تخللتها. لكن الخطر الأكبر الذي ولدته تلك الازمات المتعاقبة يكمن في نشوء جيل من الشباب لم يتعود على حكم القانون والتقيد بالنظام، وقد يكون يعتقد بأن الممارسات الشاذة لدى بعض السياسيين والأحزاب، وبعض من يعتبرون أنفسهم فوق القانون، تشكل مجتمعة الحالة الطبيعية لأي مجتمع معاصر. وقد ادت تلك الممارسات الشاذة الى اضعاف الرغبة لدى فئة النخبة من الشباب في المشاركة في الحياة العامة، وفي انتشار الشعور باللامبالاة، مما ساهم في الفشل في إحداث التغيير المنشود في الوطن.”
تابع:”بناء على ما تقدم، أعرض أمامكم الاستنتاجين التاليين:أولا، ينبغي للشباب اعادة تكوين نظرتهم الى المواطنة على ضوء الفهم الصحيح لقضايا الانتماء والولاء. فتعزيز المواطنة يحتاج من الشباب التعلق بالهوية الوطنية، وحماية الخصوصيات المجتمعية والتراث الشعبي، لكن بنفس الوقت الانفتاح على الثقافات الاخرى، والتلاقح معها بما يعزز ارتباطهم بالحداثة التي حددها المفكر المصري عبد الوهاب المسيري بدقة كما يلي: أقتبس “ان المطلوب هو حداثة جديدة تتبنى العلم والتكنولوجيا، ولا تضرب القيم الإنسانية عرض الحائط. حداثة تحيي العقل ولا تميت القلب. تنمي وجودنا المادي ولا تنكر الابعاد الروحية لهذا الوجود. حداثة تعيش الحاضر دون ان تنكر التراث” انتهى الاقتباس. أن ينظر الشباب الى الغزو الثقافي الغربي والشرقي الى مجتمعاتنا، بعين التكامل وليس بعين الريبة والخشية، هو المدخل الذي يمكنهم من التفاعل مع الآخرين في عصر العولمة، والاستفادة من الفرص التي تتيحها تلك العولمة للدول النامية.”
واضاف:”ثانيا، يحتاج لبنان الى انتاج طبقة من النخبة في الفكر والاختصاص. طبقة من جيل الشباب، الذين يرون العالم بعيون عصرية منفتحة، بعيدة عن أجواء الانغلاق التي تفرضها الاحزاب العقائدية والطائفية. عيون ترى في الآخر المختلف شريكا في بناء الوطن، وفي بناء المستقبل. جيل يلتقي حول أفكار إصلاحية تتعدى محاور الالتقاء القديمة من رأسمالية وشيوعية وقومية ودينية، وتكون مرتكزة على اكتشافات العلوم وتطور التكنولوجيا، وتجدد الاقتصاد، والانخراط في التعاون الدولي في مواجهة التحديات المشتركة التي يفرضها العصر على البشرية جمعاء. لذلك، عندما يقارب الشباب الازمات التي تعصف ببلداننا، يجب أن ينظروا اليها بعين العالم المتيقن من تحديات العصر وانعكاساتها على داخل دولنا، وعلى العالم أجمع”.
واشار الى ان “الوقت قد يطول قبل أن يتمكن الشباب اللبناني، من بلورة رؤية مشتركة لمستقبل وطنهم، والعمل معا لإخراجه من أزماته، لكن يبقى أيماننا ساطعا، بأن لا قيامة للبنان الا على أيدي شبانه وشاباته، شرط أن يتفقوا على رؤية عصرية تستشعر تحديات المستقبل، ويعملوا على ملاقاتها على أسس علمية، وعقلانية، قافزين فوق ماض سحيق من النزاعات القبلية والطائفية، ومتفهمين للتوازن الدقيق بين أهمية الحفاظ على لبنان كنموذج في التعايش بين الأديان، وبين تحديات التنمية، في جغرافيا ملتهبة واقعة تحت تأثير التحولات الكبرى في السياسة الدولية.”
وختم كلمته باستعارة هذا القول لأفلاطون: “البداية هي أهم جزء في أي عمل. فهلا تنادينا للعمل من أجل جعل رؤية رفيق الحريري رؤية إستنهاضية مستمرة؟”
درباس
وتحت عنوان “مستقبله أمامنا “، قال درباس:”ليس سرابا من مفتر أفق، ولا ومضة برق، ولا خرافة شرق، بل هو خيط من حرير الشمس، وشعاع يضيء الغد من عمق الأمس واليأس، ورؤية من زرقاء الغمامة، تمطر حلما، وتزرع الآفاق واقعا، وتستنبت من الإسمنت شجرا، لتطلع من غصونه خضرة الحياة.
من ركب جناح العصر لم يواره قبره فها هو الرخام تمسه زلزلة لا تحول، وكأني به يخرج إلى الوافدين، وينشغل عن تحيتهم باستدعاء طائرة عاجلة إلى مدرج الضريح، كي يجوب العالم نصرة لغزة، كما انتصر من قبل لقانا وشهدائها.”
تابع:”في حضرة القبر الخصيب فشلت الجريمة في إزهاق الروح، وانهزم التخلف أمام المستقبل الذي تخيله عريقا، فجعل الخيال ملموسا، وألحق التليد بالجديد، حتى تمثل فعله واقعا سويا وعاصمة حضنا، ودولة على عتبة النهوض. جابه الركام بالإرادة، واستعاد الحجارة من متردمها، وأوقد في العقول شعلا، واستنقذ عشرات الآلاف من دوامة الحرب ولوثتها، فأطلقهم في جامعات الدنيا، قائلا لهم: اذهبوا إلى الحقول الواسعة ثم عودوا إلينا بما أعطاكم العلم من بذار وفسائل، وازرعوا غرسكم في كل أرض، وانشروا أنواركم في كل طول وعرض”.
اضاف:”زلقت به الأمنيات فتخطت حد الخطر، وقد خال في البدء أنه ينشر شراعا في ريح مؤاتية، فلما تحول النسيم سموما، والديمة إعصارا، حاول ترويض العناصر، وناور بقلعه فسبقه ضيق الصدر والأفق، ونزعة الاستبداد العمياء، فكان لا بد من إخماد الدولة قبل أن تشتد عظامها، وينمو قوامها، واتخذ القرار الزاجر للحب في عيد الحب، فحقنوا خدود الورد بالأحمر الفاجع لما رموه بسهم أنكروه، ناسبين إياه إلى الجن من آل أبي عدس، كما حدث بعيد سقيفة بني ساعدة عندما غدر بسعد بن عباده ونسب الأمر إلى جن يقرضون الشعر، فقالوا:قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده ورميناه بسهمين فأدمينا فؤاده .
هكذا ذاب الحر الذهب، في حر اللهب، تبت يدا أبي لهب”.
وقال : “سرني أن الرئيسة سلوى السنيورة بعاصيري قد وضعتني على هذه المنصة مع النخبة المرموقة، في مناسبة يحييها النادي الثقافي العربي، بين حضور يلتقي للتبصر لا للبكاء ، فهذا النادي العزيز والحبيب، مارس منذ تأسيسه برعاية أبيه الروحي قسطنطين زريق، دور تحريض الأجيال على شحذ المعرفة بالإرادة، فكان مساحة غنية للوطنية والمواطنين، ومنهم صاحب الذكرى الذي تفتح وعيه السياسي في مناخ النادي، فرافق أعضاءه، وآزر رؤساءه، وبقي وفيا لحليبه الأول إبان اغترابه وبعد عودته، وها هو النادي يبادله المحبة والوفاء، ويدعو الأصدقاء تحت عنوان الرؤية الاستنهاضية المستمرة، تأكيدا على واقعية مشروعه، ونجاعة ما سعى إليه حتى آخر قطرة من التفاؤل والعزيمة والأمل المغدور؛ ولذلك أقول إنه غاب، ولما يزل مستقبله أمامنا. فهل اقترف رفيق الحريري جناية لا غفارة لها، بمجرد أن آمن بأن الدولة ممكنة الوجود بل واجبة الوجود؟ وهل تجاوز حدوده لما ذهب به النجاح من إعمار مجد إلى إعمار مجد، ونظام مصرفي نشط، وصداقات دولية استثنائية؟ هل كان يوجه إهانة لم يقصدها للقتلة بسبب إيمان قادة الدول بجديته وصدقه؟ هل كانت الحفاوة التي يلقاها أينما حل تنعر عند بعضهم شعورا مكتوما بالدونية؟”.
واضاف:” لا ينبغي لنا الإفراط في محاولة الدخول إلى خبائث النفوس، فالفعل كشاف النيات، بل علينا أن نتوجه إلى العقول الشريرة، ونقول لها:ان المكر حاق بأهله، فما أن انقشع غبار الانفجار حتى انكشف المأزق على حقيقته المعقدة، مثل ذلك كمثل من دلق في البئر علقما ثم راح يشكو بعد هذا مرارة الشراب؛ قتلوا من كان خيرة الأشقاء، فهم لا يحبون الشقيق ولا الرفيق، ومن كان لهم حلال عقد، لأنهم عقادو الحلول، ومن كان حاضرا في الملمات دون انتظار دعوة أو استنجاد، ومن كان واضحا لأنهم من أهل الإبهام والإظلام. ما كان يجوز له أن ينشىء فوق المتاريس مدينة مشعة، وأن يجمع الغربية والشرقية في صيغة من العمران والفرح، ولهذا تعمدوا أن يدمروا عقر العاصمة بما حوى، ليطمئنوا إلى أنه أصبح رذاذا من رمادها وخرابها، فخذلهم بأن عاد رملا من ترابها، وحقلا من رحابها، وجارا لجرسها ومحرابها. ولما انصب حقدهم على الصورة والإطار، والشخص والجوار، نجت ابتسامته المشرقة المتفائلة من آثار الانفجار، وأحرزت القدح المعلى فما يطار لها على قذيقة ولا يسعى على غدر”.
تابع:”يا حسرتا على العباد ، يا حسرتا على وطن يتداوله المجرمون وتعشش فيه الجريمة منذ أكثر من نصف قرن. على المسعفين وكبيرهم والرحماء والغيارى،على شعب كلما انعقدت إرادته على الخلاص، دسوا عليه مفردات الحرب الاهلية، ومثلوا بخريطته بالأقلام الملونة الفاقعة، والخطابات النارية، والاستنفار المستدام، كأن الوطنية لا تكون إلا على وقع السنابك وقعقعة المعارك ولو أدى ذلك إلى ما لا تحمد عقباه”.
وقال:” أيها الشهيد ذهب القوم إليك بالأمس، يناشدونك حضورا من الغياب، فالدولة العنصرية، يتمادى عدوانها ويستطيل، والعالم المتحضر يواكب المجازر في غزة والضفة ولبنان بأعلى درجة من الخبث والرياء، فيرسل المساعدات الإنسانية التي لا تصل، ويذخر آلة القتل بخطوط لا تنتهي من أدوات الفتك.ما زالت الأمور على ما تركتها، دولة رهن الاغتيال، نزفت مناعتها، وتضعضعت مفاصلها، وسلبت مدخرات مواطنيها من خائنة الخزائن وضاع منها رئيسها، وتشتت حكوماتها بين تصريف الأعمال وفراغ الأقوال، فالاستحقاق فعل جامد، والدستور اسم خامد والاقتصاد من أخوات كان، ناقص الرؤية والنزاهة والهيبة، والأمن الوطني سلعة دولية وإقليمية، ومستقبل الأولاد يضارعه اليأس وتأمره الخيبة.”
واضاف:” في ذكراك، نستتحضر الملايين التي صلت لك بالفاتحة وإشارة الصليب، ونلتمس منك أن تشير إلى أن العودة إلى التهاتر الطائفي والمذهبي سلاح مسموم يؤذيك أكثر مما آذاك العدس الملغوم؛أليم عليك وعلينا، أن تصبح دولتنا ساحة لا سلطة لأبنائها على أحداثها، والأكثر إيلاما أننا نتعامل مع الوساطات والحلول وفق ما يملى على كل طرف من مشغله، بغض النظر عن المصالح المشتركة، التي صرنا نتعامى عنها، بعد أن فقدنا حرية التفاهم والتواصل، أو حتى تبادل السلام والتحية”
وتابع:”سينقشع كثير من الضباب، بعد وقت قد يقصر أو يطول، لنكتشف فداحة الحماقات التي مارسناها، وتفاهة البيانات التي دبجناها، وزيف المعايير التي اعتمدناها، وحجم الخسائر التي تكبدناها.”
وختم ” قد تشن علينا إسرائيل غاراتها؛ وها هي تلوح لنا بأطلال غزة وتهددنا بويلها ونارها، لكننا شوكة في حلقها لو توحدنا، وتوصلنا إلى أنه آن الأوان لمراجعة نقدية صادقة وإعادة النظر في مواقفنا، فليس لبنان دائرة بريد الرسائل المتبادلة ذات الأغراض المفضوحة، وليس الشعب اللبناني هويات وثقافات متناحرة. فالدولة بنية دستورية لرعاية شؤون المواطنين، لا منهبة لمفسديها والذين فسقوا فيها، وهي تسحتق منا التضحية والتفاني والصبر… فلقد آمن بها رفيق الحريري الذي سار في عمرانها وركابها صعودا إلى قمة الموت بل إلى قمة الحياة.”
مداخلة الدكتور كرم
وفي ختام الندوة اجرى الطبيب كرم مداخلة تذكر فيها محطات رافق خلالها الرئيس الشهيد في سفره بين لبنان والصين، وبين لبنان ومصر، وقال: “يوم سافرنا سوية إلى الصين في السنة الاخيرة من حياته وكان اجتماعا مثمرا لي حيث كنت شاهدا لتعرفوا شخصية رفيق الحريري خارج السياسة. وعام 2002 كنت أجلس قربه طيلة الرحلة وفي الصين كان استقبالنا يومها من قبل الرئيس الصيني وكنت قرب الرئيس الحريري ويومها قال الرئيس الصيني للحريري أنا أعرف عنك الكثير وقد طالعت مسيرتك واعرف انك رجل ناجح جدا وانا أثق بقدرتك الاقتصادية والمالية والعمرانية وسأسالك سؤالا بسيطا :”ماذا تنصحني أن أعمل في الصين.فابتسم الرئيس الحريري وكانت نصيحته الا تترك الشيوعية فجأة بل اتركوها بتمهل وخطوة خطوة. ويومها اجابني الرئيس والدمعة في عينيه وقال: اتعتقد أن بهاء الدين الحريري كان يحلم بان رئيس الصين يسأل ابنه نفسه انصحني ماذا اعمل في الصين”؟
عدسة nextlb