موسى: إغتياله بداية لمرحلة الفوضى المدمّرة في البناء العربي
نظم النادي الثقافي العربي ندوة بعنوان «رفيق الحريري ولبنان الغد»، في فندق موفمبيك، لمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، حضرها وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض ممثلا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الرئيسان أمين الجميل وميشال سليمان، الوزير السابق محمد المشنوق ممثلا الرئيس تمام سلام، الشيخ محمد عساف ممثلا مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على رأس وفد من المشايخ، وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب، سفراء: مصر الدكتور ياسر علوي، تونس بوراوي الإمام، اليمن عبدالله الدعيس، سلطنة عمان أحمد بن محمد السعيدي وممثل عن سفارة فلسطين، ونواب حاليون وسابقون وشخصيات سياسية واجتماعية وحزبية.
بداية الندوة كانت مع النشيد الوطني اللبناني وقدّم عريف الاحتفال ربيع دندشلي مرحّبا بالحضور.
بعاصيري
الكلمة الأولى كانت لرئيسة النادي سلوى السنيورة بعاصيري التي قالت ان « كلمات رفيق الحريري وسواها من مواقفه تؤشر إلى رؤية للبنان الغد اختزنها الرئيس الشهيد في ضميره والوجدان، وعمل على تحقيقها، وحمل أثقالها والتبعات»
وقالت: «هي رؤية نستعيد اليوم غاياتها والأهداف، في ظل أوضاع بالغة الدقة باتت تسربل لبنان وتربك مساراته وتعطّل خيارات أبنائه مما يفقد لبنان صورته العصرية ويدفع به إلى مصاف الدولة الفاشلة. فالأوضاع القائمة لم توفر لبوساً سلبياً إلا وارتدته، انهيارات اقتصادية ومالية ونقدية وتضخماً غير مسبوق الحدة والمستوى وفقراً وبطالة واقصاء وتهميشاً وتعصباً وتدهوراً صحياً وبيئياً وشللاً في جميع مؤسسات الدولة ومرافقها، جميعها دفعت إلى هجرة كثيفة سيما بين الشباب والكفاءات العليا القديرة والمتميزة».
وأشارت «إن الحديث عن لبنان الغد يستوجب حكماً الأمل والثقة بالقادم من الأيام، ولكنه يستوجب أيضاً توفر مقتضياتهما من وضوح رؤية وقيادة حكيمة وإرادة صلبة وتصميم وعزيمة ومثابرة والتزام. ومن هنا نبدأ».
كرم
ثم كانت كلمة السفير السابق سيمون كرم الذي قال: «ان قيمة رفيق الحريري وحضوره في لحظة من هذا المسار الصعب، أنه كان يرمز لذلك المشترك الذي دفعته الحرب من صدارة التجربة اللبنانية الى هامشها؛ العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين؛ الدولة وضرورة استرجاعها وبناء مؤسساتها على أسس الحرية والديموقراطية؛ أولوية التعليم في إحداث التقدم ومواكبة الحداثة، وحرية هذا التعليم وعصريته؛ الإنفتاح على العالم إقتصادا وثقافة، وتكامل المصلحة اللبنانية مع المصلحة العربية، وحضور لبنان المتميز في العالم العربي، ركن في الثقافة المشتركة، وصورة مشرقة لتألق العرب ونهضتهم». وقال: «هي المبادئ التي صنعت نجاح لبنان الحديث وأطلقت نهضته وازدهاره، لؤلؤة خمسينات وستينات القرن العشرين؛ حقبة يرنو إليها لبنانيو هذه الأيام، وقد غلبتهم مشاريع الغلبة واحد في إثر آخر».
شمس الدين
وتحدث الوزير السابق إبراهيم شمس الدين فسأل «ماذا كانَ يريدُ رفيق الحريري؟ بل ماذا كان يحاولُ رفيق الحريري؟ لا بدّ من التّذكيرِ ابتداءً أنّه كانَ واحداً منّا نحنُ اللبنانيّين. لم يكن أجنبيّا غريباً، ولا مُستَنْزَلاً من غيرِ كوكب، ولا مُسْتَنْبَتاً هجيناً، ولا مُسْتَنْسَخاً قَطْعاً.. كانَ فريدَ نفسِه. كان يريدُ أنْ يُعيدَ بناءَ وطنِهِ ووطنِنا بعد أن دمّرهُ اجتياحٌ إسرائيليّ وحروبُ فتنةٍ داخليّةٍ تتوالد كالأرانب. بدأ مَعَ اتّفاقِ الطّائفِ فواكَبَهُ وسهرَ مع غيرهِ فيه، وذلّلَ عقباتٍ وقرّبَ تباعدات. أرسى اتّفاقُ الطائِفِ سِلْماً أهليّاً وأنهى الحروبَ الداخليّةَ ، وهو لم يكنْ يريدُ أن يصنعَ الوطنَ على شاكلتِهِ كما كانوا يقولون، بل أرادَ أنْ يكونَ شريكاً في بناءِ الوطنِ على طريقتِهِ، وكانتْ طريقَتُهُ فعّالةً وبنّاءةً».
حمادة
وكانت كلمة للوزير السابق مروان حمادة الذي قال: «كنا جميعاً على إعتقاد أنه بعد تحرير الجنوب، حان زمن الإفادة من الوثبة الإنمائية والبنيوية والقانونية التي حققها الشيخ رفيق خلال التسعينات. فلكل أزمة مالية حلٌ أو وديعة ولكل معضلة محلية مصالحة (كالجبل في العام 2001) أو تسوية كتلك التي كان الحريري يحيكها الواحدة تلو الاخرى بعد إنتقال سوريا من حكم المجرم صاحب الرؤيا إلى حكم المجرم الفاقد لها. فتلبدّت الغيوم منذرة بالقطيعة والصدام».
وقال: «لقد شعرت بأن صبر الرئيس قد نفذ إبّان رحلة جوية، راجعنا خلالها مقدمة البيان الوزاري لآخر حكومات الاذعان قبل التمديد للرئيس لحود، حكومة خلت من خيرة وزرائنا ليحل محلهم أدوات دمشق المسيحية والإسلامية. قلّة نجت آنذاك من هذه التصفية الحكومية: فؤاد السنيورة، جان عبيد، فارس بويز، بهيج طبارة، غازي العريضي وأنا».
أضاف: «على طائرة الشيخ رفيق الحريري وفي مراجعتنا لمسودة البيان الوزاري، سحب صفحة ومزّقها ورماها في سلة المهملات قرب مقعده. فثرت قائلاً: «لماذا يا دولة الرئيس؟». قال: بدك تقتلنا يا مروان. شو بدك بذكر إتفاق الطائف وتطبيق بنوده».
وتابع: «في هذه اللحظة أدركت أن الطوق يشتد على الشخص، على المشروع وعلى مستقبل لبنان. أدركت ان الحكاية لن تدوم وان النهاية اقتربت. نهاية صفعتنا مع ارتفاع الغيمة السوداء في سماء بيروت ظهر الرابع عشر من شباط».
وقال: «كل ما بقي على الأرض اليوم هو من إرث رفيق الحريري ولا يزال في معظم القطاعات يصلح لإنطلاقة جديدة أو للإصلاح المنشود والذي هو أصلاً ما يطالب به المجتمع الدولي لمد يد العون للخروج من أزمتنا الحالية».
وختم ان «رفيق الحريري لم يغب في 14 شباط 2005، فهو باقٍ في كل حرف كتبه وكل كلمة نطقها وكل عمل أنجزه وكل نصيحة أسداها، وكل إبتسامة أظهرها. يتباكون اليوم على لبنان اليوم. ويسألون اليوم عن لبنان الغد. وبين الأمس واليوم والغد يعملون على إلغاء لبنان برمّته، بكيانه بإستقلاله بسيادته بحياته بازدهاره. الذين قتلوا رفيق الحريري وهم معروفون ونحن نعرف أنهم يعلمون اننا نعرفهم سيلاحقكم التاريخ وسينبذهم المستقبل. يقولون الآتي أعظم. فعلاً سيكون أعظم عليهم. الى هذا الحين القريب إسهر علينا يا شيخ الشهداء يا رفيق العمر والغد».
موسى
وفي الختام، كانت كلمة عمرو موسى الذي قال: «ربطني شخصيا بالفقيد التاريخي للبنان علاقات احترام وتقدير. كم تحدثنا عن مصر ولبنان وعن العالم العربي وعن الجوار العربي، وعن مستقبل الاستقرار العربي، كم تحدثنا أيضا عن مستقبل الشرق الأوسط بمجمله، بل والشرق على اتساعه وعلاقاته بالغرب وتعقيداته.
كانت اَراؤه تعبر عن فهم دقيق لما كان قائماً واستشراف ذكي لما كان قادما ومع الأسف لم يكن يعطي اهتماما كافيا لسلامته الشخصية. كان لديه من الجرأة ما جعله لا يقبل بالنصائح التي أسديت من أعلى المراجع الدولية والاقليمية بالحذر الكامل. أو أن من خاف سلم.. نعم رفيق الحريري لم يخف ولم يحذر لانه كان يضع سلامة الوطن قبل سلامته الشخصية».
وتابع: «ولكن إزالة رفيق الحريري الرمز البارز بين رموز الوطنية اللبنانية كان هدفا تاَمرت من أجل تحقيقه قوى الشر التي تعشش في أركان المنطقة وأزقتها. بل كانت تلك هي البداية… بداية مرحلة الفوضى المدمرة التي سادت المنطقة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين. أعود فأقول ان هذه الفوضى لم تكن تستهدف لبنان فقط وإنما كنت تستهدف البناء العربي كله. وقد رأينا جميعا مظاهر ذلك، وكذلك نتائجه الشيطانية والتي لا زلنا نعايشها في أكثر من قطر عربي ومنها مع الأسف: لبنان».
أضاف: «كان رفيق الحريري يحلم للبنان، كما كان يحلم بلبنان.. لبنان القرن الحادي والعشرين الذي يتخلص بسرعة من القيود التي صفّده بها أعداؤه وخوارجه. كان يرى أن لبنان مليء بالمواطنين الطيبين الذي يريدون أن يحيوا حياة طيبة حلوة.
كان يتحدث بثقة عن عبقرية الفرد اللبناني والمرأة اللبنانية والتي تمثلت في ما حققوه في المهاجر من نجاحات منقطعة النظير لأنفسهم ووطنهم والأوطان التي انتقلوا إليها، كما تمثلت في لبنان نفسه الذي كان قبلة العرب وسويسرا الشرق ومثال الأناقة ومهد الجمال. تحدث بحب بل بعشق عن بيروت وأحياء بيروت والبناء الجديد في بيروت».
وتابع: «لم يكن يدور في خلده انه سوف يُغدر به، وان لبنان ذاته سوف يُغدر به، وان أحلامه سوف تتحول الي كوابيس يعاني منها اللبنانيون جميعا، وأن الكثيرين من ساسته سوف يظلون على ما دأبوا عليه من التخندق وراء طوائفهم ومصالحهم بصرف النظر عن الوطن وعن هويته ومصالحه العليا».