“المعجم التاريخي للغة العربية” فاتحة عصر حديث للغة الضاد ويؤرخ لـ 17 قرناً

كشف الأمين العام لمجمع اللغة العربية في الشارقة الدكتور محمد صافي المستغانمي أن المعجم التاريخي للغة العربية الذي تعمل إمارة الشارقة على إنجازه بدعم ومتابعة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ، مشروع عظيم سيكون فاتحة عصر حديث للغة العربية ، واصفاً إياه بالمعجم العملاق الذي يمثل ذاكرة الأمّة العربية وديوان ألفاظها وسجلّ أشعارها وأخبارها وحامل مخرجات ومنتجات أبنائها وبناتها.
وأكد أن الدكتور القاسمي أعاد إحياء العمل على المعجم من جديد بعد أن حاولت العمل على إنجازه كثير من الجهات وتوقفت نتيجة ضخامة المشروع ، مؤكداً بأن إمارة الشارقة قطعت أشواطاً كبيرة في إنجازه، وسيرى النور قريباً.
وأشار إلى أن المعجم يؤرخ للغة والحضارة العربية على امتداد 17 قرناً، تتوزع على ثلاثة مراحل بحثية هي مرحلة النقوش القديمة، واللغات السامية التي تنتمي إليها العربية، والثالثة هي مرحلة اللغة واستخدامها، ويشمل المعجم خمسة عصور : العصر الجاهلي، الإسلامي والأموي ، العباسي ، وعصر الدويلات والمماليك، والعصر الحديث، مؤكداً أن العمل يجري عليه بمشاركة أكثر من 300 باحث ومختص من كبار علماء اللغة العربية، ويضم لجاناً في 9 دول بمشاركة نخبة من الخبراء والمراجعين والمدققين، وتحتضن الشارقة اللجنة التنفيذية للمشروع، كما تحتضن القاهرة اللجنة العليا للتدقيق في إتحاد المجامع اللغوية العلمية.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية ضمن الدورة الرابعة مع مهرجان الثقافة واللغة العربية الذي تنظمه جامعة القلب المقدس الكاثوليكية في ميلانو بإيطاليا، بشراكة استراتيجية مع هيئة الشارقة للكتاب ، شارك فيها الدكتور المستغانمي، وحاورته فيها البروفسورة ماريا زنولا رئيسة قسم اللسانيات والآداب في الجامعة الكاثوليكية، إستعرض خلالها مسيرة العمل على إصدار “المعجم التاريخي للغة العربية” الذي أطلقه الدكتور القاسمي بهدف بحث تاريخ المفردة في العربية، وتطورها منذ الجاهلية إلى اليوم ، إلى جانب البحث في نشأة العلوم اللغوية والنحوية.


حضر الجلسة ، رئيس هيئة الشارقة للكتاب أحمد بن ركاض العامري ، وقنصل عام دولة الإمارات في ميلانو ، عبدالله حسن الشامسي ، ومدير عام هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون محمد خلف ، ومثقفون ومختصون في اللغات والأدب العربي، وعدد من طلاب وطالبات الجامعة الكاثولكية.
وناقشت الجلسة ضرورة وجود المعجم، وأهم التّحدّيات التي تواجه إتمامه، وأبزر ملامح الخطّة العلميّة المتّبعة لإنجازه، كما كشفت المعايير التي يختلف فيها المعجم عن سائر المعاجم العربية، وفريق عمل الباحثين والعلماء العاملين على المشروع ، إضافة إلى المراحل التي وصل إليها إنجازه.
وقال المستغانمي: “على الرغم من كثرة ما تمتلك الأمة العربية من معاجم إلا أنّها لا تغني عن المعجم التاريخي الذي يؤرّخ لجميع ألفاظ اللغة العربية منذ نشأتها الأولى إلى عصرنا الرّاهن، فهو مشروع كبير وشامل وقفت العديد من العوامل دون إنجازه سابقاً، كان أهمها: ضخامة العمل إذ لا ينبغي للذي يؤرّخ للغة العربيّة أن يستند إلى مصادر محددة من الشعر، ويترك مصادر أخرى، ولا يصحّ أن يضع في المدوّنة اللغوية الحاسوبية كتبا تتعلّق بالأدب وأجناسه التعبيرية، ويهمل كتب الفلسفة والمنطق والتاريخ والمواد العلمية الأخرى”.
وأضاف: “يُعنى المعجم بتتبّع اللفظ العربي في أوّل استعمال له، ويجيب على أسئلة: من هو المستعمِل الأوّل للفظ؟ وفي أيّ سياق ورد؟ وما الدلالة التي كان يحملها؟ وهل تغيّر من ناحية الشكل والصوت والتّهجية؟ وهل طرأ عليه تغيير في البنية الصرفيّة، وهل تحوّلت دلالته من معنى إلى معنى؟ ومتى تمّ ذلك؟ هذه الأسئلة ومثيلاتها لا تجيب عنها القواميس والمعاجم اللغوية العادية، وإنّما يجيب عنها المعجم التاريخي”.
وتحدث المستغانمي حول التجارب العالمية التي عملت على المعاجم التاريخية في لغاتها، قائلاً: “كان الألمان هم الأوائل الذين عملوا على المعجم التاريخي، وتوفي كل من الشخصين اللذين كانا يعملان على المشروع قبل الإنتهاء منه، حيث توقف المشروع وعاد العمل عليه بعد 120 سنة من تلك البدايات”.
وأكد أن المعجم التاريخي للغة العربية يستفيد في عمله من المنهج الألماني والفرنسي للمعاجم التاريخية حيث يتتبع التّغيّر الدلالي وتطوّر معاني الألفاظ أو انقراضها واندثارها.
ولفت المستغانمي في ختام حديثه حول الميزات التي جاء فيها المعجم التاريخي ليكون مواكباً لمتغيرات العصر المتسارعة، بقوله: “نحن الآن في العصر الذهبي للتواصل العالمي والعمل قديماً على المعاجم كان يدوياً فقط، لذلك سننشئ مدونة حاسوبية رقمية تساعد على إيجاد اَي كلمة بسهولة”.
وفي ختام المهرجان ألقى قنصل عام دولة الإمارات في ميلانو، عبدالله حسن الشامسي كلمة قال قال فيها: “أنْ نحتفي باللغة العربية من قلب الحضارة الأوروبية وبين قامات ثقافية عربية وإيطالية يعني الكثير؛ فهذا الإحتفاء يرجعنا إلى سيرة طويلة من العلاقات النبيلة التي جمعت بين العرب والإيطاليين.. سيرة تؤكدها اللغة نفسها، فاليوم ملايين الإيطاليين يتحدثون بكلمات من أصول عربية، مثلما هنالك ملايين العرب ينطقون بمفردات ذات جذور إيطالية”.
يشار إلى أن مهرجان الثقافة واللغة العربية في ميلانو يحتفي سنوياً بالإنجاز المعرفي والثقافي العربي ويقدم رموزه المعاصرين والقدماء أمام المثقفين الأوروبيين، ويجمع في دورته الرابعة أبرز المثقفين والكتاب العرب من روائيين وكتاب وباحثين ومؤرخين، واختار هذا العام أن يتناول دور الأديبة والعالمة العربية في مسيرة الثقافة الإنسانية.
[email protected]

لمشاركة الرابط: