رغم وقوعنا في زمن حرب قاسية، إلا أن مصيبتنا في طريقة تعامل المسؤولين اللبنانيين مع أموال اللبنانيين قد تكون أقسى من كل الحروب. ولا شكّ أن سدّ المسيلحة قد يشكل المثال الأوضح حول كيفية هدر المال العام. فالسد الذي لم يتمكن من حفظ الماء، تحول منطقة مهجورة متروكة، تُربّى فيها الصيصان.
بموجب ورقة طلب انتقلت الدعوى بخصوص الإهمال وهدر المال العام من النيابة العامة المالية إلى قاضي التحقيق الأول في الشمال، سمرندا نصار، وحسب مصادر متابعة، فإن القاضية نصار درست الملف وادعت على الأطراف التالية من خلال ممثليها القانونيين: شركة “libanconsult” الشركة الاستشارية اللبنانية، شركة “باتكو” المنفذة للأعمال، وأحد المدراء فيها، وطلبت أيضاً الوصول إلى ممثلي شركة “coyne et bellier” الفرنسية الاستشارية، شركة “maltauro” وهي شركة إيطالية أيضاً ساهمت بالتنفيذ.
زيارة الموقع
هذا الإدعاء حصل -حسب المصادر- منذ حوالى اسبوعين، ولكن المفاجأة كانت يوم الثلاثاء عندما انتقلت نصار إلى الموقع لمعاينته، وتُشير المصادر إلى أن المشاهدات تؤكد معنى المثل اللبناني القائل “المال السايب بعلم الناس الحرام”، وتضيف عبر “المدن”: “تبين أولاً أن لا ماء في السد، وهناك أشغال تم تنفيذها ولكنها ليست على المستوى المطلوب، فهناك على سبيل المثال مبنى بالقرب من السد تم إنشاؤه ليكون محطة للتكرير، ولكنه حتى اليوم غير منجز، ومهمل ومتروك، وهو عبارة عن صرف أموال بلا جدوى، بالإضافة إلى وجود مزرعة صيصان في المكان، وبالتالي تحول السد من مشروع استراتيجي إلى مزرعة دجاج”.
كذلك كان لافتاً، حسب المصادر، كيف تُركت آليات ضخمة كالجرافات والحفارات والمعدات المتعلقة “بالتزفيت”، ليأكلها الصدأ، مشيرة إلى أن القاضية نصار قررت ختم السد بكامل مداخله بالشمع الأحمر، كما مكاتب الإدارة، والمبنى المهجور الذي كان يُفترض أن تتولى تنفيذه شركة معينة سيتم التواصل معها من قبل القضاء قريباً.
استنابة إلى وزارة الطاقة
حسب المصادر، من الواضح أن السد متروك منذ أعوام، رغم أن بعض أحاديث الصالونات السياسية كانت تقول أن التنفيذ بحاجة إلى 10 مليون دولار إضافية، مشيرة إلى أن التحقيقات ستستكمل. ولأجل هذه الغاية، طلب القضاء من وزارة الطاقة تسليمه كامل ملف السد منذ انطلاقته إلى اليوم، وذكر تفاصيل كل من عمل فيه ومن كان استشارياً فيه، وبالتسلسل الزمني الكامل، مع دفتر الشروط الأساسي وكل تفاصيل مراحل العمل الذي امتد على سنوات، لأن النقطة الأساسية ستكون معرفة ما إذا كان المعنيون ببناء السد على علم بتقارير علمية تقول أن الأرض غير صالحة لبناء السد أم لا.
تُشير المصادر إلى أن استمرار التحقيقات يعني الاستعانة بمختصين وعلميين قادرين على تحديد طبيعة الأرض بدقة، خصوصاً بعدما تبين أن المسؤولين عن العمل لم يعدّوا دراسة أثرية قبل تنفيذ المشروع رغم وقوعه في منطقة أثرية بامتياز تضم قلعة المسيلحة.
المصدر : صحيفة المدن الإلكترونية – محمد علوش