بيروت_فاطمة حوحو
“نزوات غويا”.. فانتازيا قصصية ضد رعب العالم
هذا العنوان معبر عن عوالم الموضوعات التي يقدمها التوراني بأسلوب مختلف، منتقدا الأوضاع السياسية والاجتماعية بطريقة غير مباشرة، عبر تصوير الاضطرابات التي تسكن النفس البشرية نتيجة الظروف المحيطة، شخصيات غرائبية وكوميديا سوداء، تكشف عيوب المجتمع ولا تغرق القارئ في الكآبة أو البكاء، وإنما تنقله إلى ما وراء العتمة، إلى خاتمات مفتوحة الأسئلة، فلا أجوبة جاهزة أو استنتاجات واقعية، فقط آفاق بعيدة، من سخرية قاتلة حد الموت المعشش في ثنايا النصوص، والمحلقة بعيدا عن العادي والواقعي كما في الاحلام، إلى رمزية وفنتازيا فوق المرئيات.
قصص تغوص في عيوب تنخر السلطة ورجالها وحكام الفساد السياسي والأخلاقي والديني، تفند مظاهره وتأثيراته، في لغة وسرد غني ومميز، يحفر عميقا في اللغة التعبيرية الخاصة.
القصص هي عبارة عن لوحات فنية ساحرة، أشبه بلوحات الفنان الاسباني المشهور فرانسيسكو غويا المعروفة باسم: “النزوات”، والتي عبر فيها عن نقده لفساد البلاط الملكي الاسباني والنبلاء ورجال الدين ومحاكم التفتيش وضحاياها، في أواخر القرن السابع عشر، ساخرا من الواقع الاجتماعي الممتلئ بالرعب من الفظائع التي ارتكبت والشرور التي حكيت في كواليس القصور.
في إحدى هذه اللوحات يظهر رجل نائم وقد أسند رأسه ويديه إلى طاولة بينما نحّى قلمه جانبا. وخلف الرجل تظهر مجموعة من البوم والخفافيش الضخمة وهي تصفق بأجنحتها وتصيح. كما يظهر في اللوحة وحشان غريبا الهيئة أحدهما رابض على الأرض وقد صوّب نظراته الشرّيرة إلى الرجل بينما قفز الآخر على ظهره وعيناه تلمعان في الظلم. وعلى مقدّم الطاولة التي ينام عليها الرجل كتبت عبارة: إذا نام العقل استيقظت الوحوش”. هذه اللوحة اعتبرت ترجمة بسيطة ومباشرة لأفكار غويا الذي كان يحترم العقل ويؤمن بحرية الفكر.
وهذا بالضبط ما يمكنه القول عن قصص التوراني، الذي لا ينحو بعيدا وهو ينتقد الاستسلام للجهل والخرافة.
لا شك أن تأثير لوحات “النزوات” على الكاتب واضح، ربما كونه أيضا فنان تشكيلي لديه حساسية خاصة تجاه اللوحة التي تقرأ لغتها بالألوان والخطوط المصورة وتترجم بالكلمة عبر الكتابة.
عشرون قصة بين ثنايا الكتاب، حملت العناوين التالية: “الميت الأبكم”، “المديح السفلي”، “موت مجنون”، “ذاكرة الحرب المبتورة”، “نزوات فرانسيسكو غويا”، “رائحة القتل والجنون”، “أفكار بلا أزرار”، “سكرة بجانب الموتى”، “المشنوق يشرب القهوة من السقف””، “مدونة الغيلم”، “فيلم جديد للمخرج مايكل مور”، “بوحمارة في درب مولاي الشريف”، “أغنام وارانب مغدورة”، “القمقوم”، “سنوات الكلب والنباح”، “الذباب البليد”، “هزيمة حارس المرمى”، “البيروقراطي والأرستقراطية”، “القبر الأخير” وأخيرا “إعدام الجثث ذات الدم الحار”.
كتب الدكتور عبد الصمد محيي الدين على الغلاف الأخير للمجموعة:
لعل ما يميز عبد الرحيم التوراني، عن غيره من القصاصين والروائيين المغاربيين، علاوة على سلاسة الصوغ السردي، ذلك التوظيف البديع لعبثية الوجود، داخل قوالب تتخذ من التفكه نسيجاً يمْتشِقُ المضامين كسلاح ضد كآبة العالم.
وحتى لا تطغى الكآبة على المدِّ السردي، يوظف الكاتب ما يصح أن نسميه “ما وراء ـ السوريالية” غاية في الحبك التصويري٠
ومن قصة إلى أخرى، تمخر أقدار الشخوص عباب الأحداث في سياق عجائبي بامتياز، دون أن تفقد مثقال ذرة من مصداقيتها الواقعية٠
لذا حق القولُ بالسهل الممتنع إزاء هذه المجموعة القصصية الذكية المضامين، الزاهية الأسلوب٠”.
للإشارة سيكون الكاتب عبد الرحيم التوراني من بين ضيوف معرض بيروت الدولي للكتاب. الدورة61. حيث سيوقع “نزوات غويّا” بجناح شركة رياض الريس للكتب والنشر، مركز “البيال” للمعارض وسط بيروت التجاري.
“نزوات غويا” عنوان مجموعة قصصية للكاتب المغربي عبد الرحيم التوراني، صدرت حديثا عن “دار رياض الريس للكتب والنشر” في بيروت.